قال رحمه الله تعالى: (وحجة الموجبين للقضاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، قالوا: فإذا وجب القضاء على النائم والناسي مع عدم تفريطهما فوجوبه على العامد المفرط أولى. قالوا: ولأنه كان يجب عليه أمران: الصلاة وإيقاعها في وقتها) أي: فإذا فات الواجب الأول فلا نقول بفوات الواجب الثاني، بل يبقى عليه الواجب الآخر. (قالوا: ولأن القضاء إن قلنا: إنه يجب عليه بالأمر الأول) الذي هو الأمر الأساس في وجوب الصلاة (فظاهر، وإن قلنا: يجب عليه بأمر جديد فأمر النائم والناسي به تنبيه على العامد). أي: إذا كان الشرع قد أمر المعذور -أي: النائم أو الناسي ونحوهما- أن يقضي؛ فغير المعذور أولى بوجوب القضاء. وقالوا: إنه يمكن أن يتداركها ما دام الفعل يمكن أن يتدارك، فإن لم يتداركها في وقتها فإنه يمكنه أن يتداركها بعد خروج وقتها. وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، وهذا لا يستطيع أن يأتي بالأمر إلا خارج الوقت، فنقول له: اقض ما فرض الله عليك وإن كان وقته قد خرج. (قالوا: وكيف يظن بالشرع أنه يخفف عن هذا المتعمد المفرط العاصي لله ورسوله بترك الوجوب ويوجبه على المعذور بالنوم أو النسيان!) وقالوا: إن الصلاة خارج الوقت هي بدل عن الصلاة في وقتها، فهذا البدل يقوم مقام المبدل، كما يقوم التيمم مقام الوضوء. وقالوا أيضاً من باب القياس: إن الصلاة حق لله، فهي -وإن أخرها عن وقتها- يجب عليه أن يؤديها، كما يجب عليه أداء ديون الآدميين، فلو كان لأحد على أحد دين وكان أجله آخر الشهر فجاء آخر الشهر ولم يؤد دينه؛ فإنه يجب عليه أن يؤديه، ولو في شهر آخر أو بعد أمد مهما طال، فيجب عليه أن يؤديه، ويظل الحق في عنقه وإن أخر وقته. وقالوا: إن غاية ما في الأمر أنه آثم بالتأخير، وإثم التأخير لا يعني أنه لا يجب عليه أن يقضي. وقالوا أيضاً: إن هذا مثل شأن الجمعة، فلو أن أحداً ترك صلاة الجمعة حتى أداها الناس وانتهوا منها فإننا نجبره على أن يصلي الظهر، فكذلك من خرج وقت الصلاة بالنسبة له، فإننا نقول له: لا بد من أن تأتي بها ولو بعد خروج وقتها. وذكروا من الأدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أخر صلاة العصر حتى ذهب وقتها، قالوا: فهذا دليل على أنه يمكن أن تؤدى بعد ذهاب الوقت وإن اختلف السبب. وقالوا أيضاً: لو كانت الصلاة خارج الوقت لا تصح ولا تقبل لما قبل الله صلاة الصحابة حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (
لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )؛ فإن بعضهم صلاها في الطريق، وبعضهم أخرها حتى وصل إلى بني قريظة وكان وقتها قد فات. ولهم أيضاً دليل مهم من الناحية التربوية، ذلك أنهم قالوا: كيف نفعل بهذا الذي يريد أن يتوب إذا كان يريد التوبة وقلنا له إنه لا يجب عليك القضاء؟! فكأن في هذا تضييقاً عليه وسداً لباب التوبة؛ حيث يقول: كيف أتوب ولا مخرج لي من ذلك الإثم الذي لزمني؟! هذا بإيجاز مجمل أدلة الذين يرون أن من ترك الفرائض عمداً يجب عليه أن يقضيها.